ما هي صفات العالم


 السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

السؤال

ما هي صفات العالم لكي يصير صاحب علم وحكمة؟ التعليم والتدريب

الجواب

للعالم الحكيم أوصاف وعلامات كثيرة  يُعرف بها أشار إلى بعضها الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين فقال(وقيل خمس من الأخلاق هي من علامات علماء الآخرة مفهومة من خمس آيات من كتاب الله  "الخشية والخشوع والتواضع وحسن الخلق وإيثار الآخرة على الدنيا وهو الزهد"، فأما الخشية فمن قوله تعالى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28 فاطر)، وأما الخشوع فمن قوله تعالى: خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199 آل عمران) وأما التواضع فمن قوله :وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88 الحجر) وأما حسن الخلق فمن قوله تعالى فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (159 آل عمران)، وأما الزهد فمن قوله :َوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80القصص) ويمكن إجمال أوصاف الداعي الحكيم فيما يلي:
أولاً: التواضع لله تعالى في كل حال وخصوصاً عند رواية العلم أو بيانه بالكتابة أو الدراسة فالتواضع أكمل علامة للعلماء، لأنها تدل على حقيقة الخشية من الله تعالى، وقد حصر الله خشيته في العلماء، لأن شأن العالم العارف لنفسه بنفسه الممتلئ من معرفة ربه المتحلي بواردات قدسه ألا يرى لنفسه حالاً ولا مقالاً بل يرى نفسه أقل من كل شئ، وهذا هو النظر التام، كما قيل:
إذا زاد علم المرء زاد تواضعاً          وإذا زاد جهل المرء زاد ترفعاً
وفي الغصن من حمل الثمار مثاله         فإن يعرْ عن حمل الثمار تمنّعاً
ثانياً: ... الحلم والأناة:
لأنهما خصلتان يحبهما الله وإذا تجرد منهما العالم هلك لأنه يتصف بالحماقة والعجلة فالعجلة توقعه في الخطأ، والحماقة تنفر منه الخلق والحق فيكون ضاراً وقد يُبْتلى إذا لم يتصف بالحلم والأناة بالإعجاب برأيه والتعصب له فيجادل من خالفه ويؤيّد رأيه بالحجج ولو كان باطلاً.
ثالثاً: من أكمل صفات العلماء أن يُعلِّموا كل فريق من الناس ما لابد لهم منه ويخفوا الحكمة إلا عن أهلها كما قيل {لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تعلموها غير أهلها فتظلموها} ومن علّم الحكمة غير أهلها من العلماء فتح على نفسه باباً من الشر وعلى المسلمين باباً من الفتنة فالعالم الرباني يُعلِّم الناس على قدر عقولهم ويداريهم كما قال رسول الله{كلَّموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟ } .
رابعاً:السكينة والرحمة فإن السكينة دليل على التمكين، وبرهان على الرسوخ في العلم والرحمة من أخص صفات العلماء بحكم الوراثة عن رسول الله وأجمل صفاته صلوات الله وسلامه عليه ما أثبتها الله تعالى له بقوله [بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ] وقدَّم الله عز شأنه الرحمة في الإيتاء على العلم للعالم الرباني فقال [آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً] (65 الكهف).
خامساً: من أجلّ علامة العلماء الربانيين العمل بالعلم في السر والجهر خشية من الله والأخذ بالعزائم ولو كان في ذلك ما تكرهه نفوسهم أو تتألم منه أبدانهم إرضاء لله ولا يأخذون بالرخص من غير أسبابها وذلك لكمال اقتدائهم برسول الله فقد كان فيما يروى عنه صلوات الله وسلامه عليه يأخذ نفسه بالأشد ويأمر غيره بالأيسر ولذلك كان كُمَّل أصحابه رضوان الله عليهم يقتدون بفعاله قبل أقواله لأن الإقتداء بأفعاله عزيمة.
سادساً: التحفظ من أن يرى رأياً فيحكم به من غير أن يتثبت من أنه حكم الله وحكم رسوله أو أنه مأخوذ بالاستنباط من الكتاب والسنة أو من عمل أئمة السلف أو له نظير أو شبيه من أعمال السلف رضوان الله عليهم.
سابعاً:الاجتهاد في سدّ باب الذرائع والفتن وإراحة أفكار المسلمين من الاشتغال بما يضر ولا ينفع الأمر الذي سبَّب فرقة المسلمين، ووقوع العداوة والشحناء بينهم وجعل غير المسلمين يظنّون أن الدين الإسلامي مؤسس على تعصب لأشياء لا حقائق لها ومثال ذلك فتح باب التفاضل بين الصحابة والعلماء أو في الآراء والمذاهب والاعتقادات وكذلك فتح باب الفتن بالتكلم فيما سكت الله عنه وسكت عنه رسول الله رحمة بالمسلمين، فلم يحرّمها فيقوم هؤلاء الذين تحصَّلوا على قشور من أحكام الشريعة المطهرة وينصبّوا بكليتهم على فتح أبواب الشُّبَه وشغل المسلمين بما يضر ولا ينفع ناهيك عن الفظاظة في الأخلاق والغلظة في الطباع!، والسخف في القول عند الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر متذرعين بحجة أن هذا من الدين وأن هذه نصيحة، وأن هذه الطريقة الشرعية التي أمر الله بها ويجهلون أنهم بذلك وقعوا في كبائر لا تحصى منها: مخالفة رسول الله في أخلاقه ومخالفة سنته في الدعوة وتنفير عباد الله ووقوعهم في بغض الدين وبغض أهله وظنوا أنهم أحسنوا وربما كان الذي يدعون إليه من الأمور المرغّب فيها خلاف الأولى أو كان الذي ينهون عنه أيضاً خلاف الأولى وذلك في مثل الاجتماع على ذكر الله أو قراءة سورة الكهف في المساجد يوم الجمعة وما شابه ذلك
ثامناً:أن يكون أكثر بحثه عن علم الأعمال وعما يفسدها ويشوش القلب ويهيج الوسواس ويثير الشر، فإن أصل الدين التوقي من الشر ولذلك قيل:
عرفت الشَّرَّ لا  للشَّرِّ لكن لتوقيــــه
ومن لا يعرف الشَّرَّ  من الناس تقع فيه
ولأن الأعمال الفعلية قريبة، وأعلاها المواظبة على ذكر الله تعالى بالقلب واللسان وإنما الشأن في معرفة ما يفسدها ويشوشها وهذا مما تكثر شعبه ويطول تفريعه، وكل ذلك مما يغلب مسيس الحاجة إليه وتعم به البلوى في سلوك طريق الآخرة ولقد كان الحسن البصري رحمه الله أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأقربهم هدياً من الصحابة رضي الله عنهم وكان أكثر كلامه في خواطر القلب وفساد الأعمال ووساوس النفس، والصفات الخفية الغامضة من شهوات النفس {وقد قيل له: يا أبا سعيد إنك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك فمن أين أخذته؟ قال: من حذيفة بن اليمان} وقيل لحذيفة: نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة فمن أين أخذته؟ قال: خصَّني به رسول الله: كان الناس يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه وعلمت أن الخير لا يسبقني علمه} وقال مرة: فعلمت أن من لا يعرف الشَّر لا يعرف الخير وفي لفظ آخر {كان يقولون يا رسول الله ما لمن عمل كذا وكذا؟ يسألونه عن فضائل الأعمال وكنت أقول يا رسول الله ما يُفسد كذا وكذا؟ فلما رآني أسأله عن آفات الأعمال خصَّني بهذا العلم} وكان حذيفة أيضاً قد خُص بعلم المنافقين وأفرد بمعرفة علم النفاق وأسبابه ودقائق الفتن، فكان عمر وعثمان وأكابر الصحابة y يسألونه عن الفتن العامة والخاصة وكان سيدنا عمر  إذا دعى إلى جنازة ليصلي عليها نظر فإن حضر حذيفة صلى وإلا ترك وكان يسمى صاحب السر فالعناية بمقامات القلب وأحواله دأب علماء الآخرة لأن القلب هو الساعي إلى قرب الله فيهتمون بمعرفة صفات القلب وتطهيره عن الأخلاق المذمومة
تاسعاً: أن يكون اعتماده في علومه بعد تحصيل ما يلزم كما أشرنا آنفاً على حكمته وبصيرته وإدراكه بصفاء قلبه لا على الصحف والكتب، ولا على تقليد ما يسمعه من غيره وكان سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه  يقول لأتباعه مادحاً أهل علوم الإلهام رضى الله عنهم أجمعين {حدثونا بما فتح الله عليكم، لا بما نقلتموه عن غيركم} فإذا قلَّد صاحب الشرع صلوات الله وسلامه عليه فيما أمر به وقاله فينبغي أن يكون حريصاً على فهم أسراره فإن رسول الله ما فعله إلا لسرّ فيه ولا يكون عالماً إلا إذا كان شديد البحث عن أسرار الأعمال والأقوال فإن اكتفى بحفظ ما يُقال كان وعاءاً للعلم ولا يكون عالماً.
عاشراً:أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور وإن اتفق عليها الجمهور فلا يغرنَّه إطباق الخلق على ما أحدث بعض الصحابة وليكن حريصاً على التفتيش عن أحوال الصحابة وسيرتهم وأعمالهم وما كان فيه أكثر همهم فقد كان ذلك في الخوف والحزن والتفكر والمجاهدة ومراقبة الظاهر والباطن واجتناب دقيق الإثم وجليله والحرص على إدراك خفايا شهوات النفس ومكايد الشيطان إلى غير ذلك من علوم الباطن واعلم تحقيقاً أن أعلم أهل الزمان وأقربهم إلى الحق أشبههم بالصحابة وأعرفهم بطريق السلف فمنهم أُخذ الدين ولذلك قال الإمام علي لَمَّا قيل له:خالفت فلاناً قال{خيرنا أتبعنا لهذا الدين} وما أجمل حديث التستري رضي الله عنه  عن العلماء العاملين والأولياء المحققين ومكانتهم حيث يقول {قال الله لآدم: يا آدم إني أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلي وخاف غير عدلي لم يعرفني يا آدم إن لي صفوة وضنائن وخيرة من عبادي أسكنتهم صلبك بعيني من بين خلقي أعزهم بعزي وأقربهم من وصلي وأمنحهم كرامتي وأبيح لهم فضلي وأجعل قلوبهم خزائن كتبي وأسترهم برحمتي وأجعلهم أماناً بين ظهراني عبادي فبهم أمطر السماء وبهم أنبت الأرض وبهم أصرف البلاء هم أوليائي وأحبائي درجاتهم عالية ومقاماتهم رفيعة وهممهم بي متعلقة صحّت عزائمهم ودامت في ملكوت غيبي فكرتهم فارتهنت قلوبهم بذكري فسقيتهم بكأس الأنس صرف محبتي فطال شوقهم إلى لقائي وإني إليهم أشد شوقاً يا آدم من طلبني من خلقي وجدني ومن طلب غيري لم يجدني فطوبى يا آدم لهم ثم طوبى ثم طوبى لهم وحسن مآب يا آدم هم الذين إذا نظرت إليهم هان عليَّ غفران ذنوب المذنبين لكرامتهم عليَّ} ( حلية الأولياء عن سهل بن عبدالله)
وقال أيضاً: إن الله تعالى أوحى إلى سيدنا داود {يا داود إذا رأيت لي طالباً فكن له خادماً فكان داود يقول في مزاميره: وَاهَا لهم يا ليتني عاينتهم يا ليت خدّي موطأ نعلهم } قال سهل بن عبد الله ذلك ثم اصفرَّ لونه وجعل يقول {جعل الله نبيه وخليفته خادماً لمن طلبه لو عقلت - وما أظنَّك تعقل - قدر أولياء الله وطلابه ولو عرفت قدرهم لاستغنمت قربهم ومجالستهم، وبرَّهم وخدمتهم وتعاهدهم }


النسخ ممنوع ...... إتقي الله........الموضوع متعوب عليه...........هذا هو الموضوع الأصلي

 يمكنكم طرح سؤال جديد هنا

أضف جواب على السؤال أسفله
ليتم رفعه إلى المشاركة
بإسم صاحبه
و شكرا جزيلا

شكرا لإعتمادكم على موقع سؤال و جواب